سلاح حزب الله- ضغوط أمريكية، خيارات محدودة ومستقبل رهن التطورات الإقليمية.

في تطور ملحوظ، أثار استعراض قوة بالسلاح الرشاش في منطقة "زقاق البلاط" القريبة من قلب بيروت، نفذه عناصر ينتمون إلى حزب الله، يوم السبت الموافق 5 يوليو/ تموز الجاري، سلسلة من ردود الأفعال المتباينة في الأوساط اللبنانية، وعلى رأسها استياء رئيس الوزراء نواف سلام، الذي أعرب عن رفضه القاطع لهذا التصرف، مطالبًا وزارتي الداخلية والعدل بالتحرك الفوري لمتابعة القضية، والقبض على المتورطين وتقديمهم للتحقيق.
توماس بارّاك يتدخل
جاء حادث الاستعراض المسلح في بيروت بعد حوالي ثمانية أشهر من إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 بين لبنان/حزب الله والكيان الإسرائيلي، بموجب القرار الأممي رقم 1701، وذلك عقب معركة الإسناد التي خاضها حزب الله ضد إسرائيل دعمًا لغزة.
لم يمضِ أكثر من 24 ساعة على واقعة "زقاق البلاط" حتى صرح الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يوم الأحد 6 يوليو/ تموز، خلال كلمة له في مراسم إحياء ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت، بأن التهديدات الإسرائيلية لن تثني حزب الله عن الاستسلام أو التخلي عن سلاحه، مؤكدًا العزم على مواصلة التصدي للاحتلال الإسرائيلي، ومضيفًا: "نحن نواجه العدو الإسرائيلي دفاعًا عن وطننا، وسنستمر في ذلك حتى لو اجتمعت قوى العالم بأسره لإجبارنا على التراجع".
إن موقف الأمين العام، بالإضافة إلى رمزية الاستعراض العسكري في "زقاق البلاط" ببيروت، قد رفعا سقف مطالب الحزب بعد فترة من الهدوء النسبي، وعدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
كان بإمكان الحزب الاستمرار في سياسة الصمت والغموض الإيجابي، وتجنب استفزاز خصومه، خاصة في وقت هو بأمس الحاجة إلى إعادة بناء صفوفه وترميم قوته بعد الخسائر التي تكبدها في معركته ضد إسرائيل.
إن هذا التحول في النهج يشير إلى وجود تطورات هامة وخطيرة في وجهة نظر الحزب، مما دفعه إلى رفع سقف مطالبه في هذا التوقيت تحديدًا. وقد اتضح ذلك لاحقًا بعد الكشف عن رسالة سرية وصلت إلى حزب الله وإلى الحكومة اللبنانية من السفير الأمريكي في أنقرة، السيد توماس بارّاك، وهو المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان أيضًا، وتضمنت الرسالة مطلبًا صريحًا بتسليم حزب الله سلاحه بالكامل بحلول نهاية العام الجاري كحد أقصى، مقابل انسحاب تل أبيب من النقاط الخمس التي تحتلها في جنوب لبنان، والإفراج عن أموال مخصصة لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها إسرائيل.
وتشير بعض المصادر إلى أن رسالة بارّاك تضمنت تهديدًا أمريكيًا بمنح إسرائيل حرية التصرف في حال عدم قيام لبنان بنزع سلاح حزب الله، وهو ما يفسر سبب رفع الحزب لسقفه السياسي، وتأكيده على التمسك بالسلاح للدفاع عن لبنان واستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة.
وفي الزيارة الثانية لتوماس بارّاك إلى بيروت، والتي جرت في 7 يوليو/ تموز الجاري، تسلم ورقة الرد الرسمي من الدولة اللبنانية على رسالته الأولى، وقد أثنى بارّاك على هذا الرد وأعرب عن ارتياحه له، داعيًا الدولة اللبنانية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن سلاح حزب الله، مؤكدًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في التدخل المباشر.
من جانبه، صرح رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، لوسائل الإعلام عقب لقائه بالمبعوث الأمريكي: "نحن نطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الأعمال العدائية، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين، حتى تتمكن الدولة من تنفيذ حصرية السلاح بيدها وفقًا لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان".
الواضح من تصريح رئيس الحكومة اللبنانية هو ربط معالجة قضية سلاح حزب الله في جميع الأراضي اللبنانية بالتزام إسرائيل بثلاثة شروط أساسية: الانسحاب الكامل من لبنان، ووقف العدوان، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين.
من الإدارة إلى الحسم
وفي إطار التعامل مع ملف سلاح حزب الله، أجرت الرئاسة اللبنانية منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نقاشات متواصلة ومكثفة مع قيادة حزب الله حول هذا الأمر.
في المقابل، أبدى حزب الله تعاونًا مع الحكومة اللبنانية، وسمح بإجراء عمليات التفتيش على الأسلحة والمواقع جنوب الليطاني، وذلك بموجب اتفاق وقف إطلاق النار والقرار الأممي رقم 1701، مع التزامه الصمت وعدم الرد على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية عبر قصفها للعديد من الأهداف، تاركًا للدولة اللبنانية مهمة معالجة الأمر عبر القنوات الدبلوماسية والاتصالات السياسية.
وعلى النقيض من ذلك، ورغم استباحة إسرائيل للأجواء اللبنانية بغطاء أمريكي، فإنها لم تعد تقبل بمعادلة وقف إطلاق النار بموجب القرار الأممي رقم 1701 الخاص بسحب سلاح حزب الله جنوب الليطاني، بل باتت تطمح إلى نزع سلاحه من جميع الأراضي اللبنانية، وإنهاء حزب الله كحركة مقاومة مسلحة بشكل كامل.
هذا التطور في الموقف الإسرائيلي، والذي تجسد في رسالة المبعوث الأمريكي توماس بارّاك إلى الدولة اللبنانية، جاء نتيجة لعدة عوامل ومتغيرات، من بينها:
- أولًا: توجيه ضربة قوية لإيران:
ترى إسرائيل في توجيه ضربة قوية لإيران فرصة ثمينة لممارسة الضغط والتهديد بهدف نزع سلاح حزب الله، حيث تعتبر ضعف إيران بمثابة ضعف للحزب، والعكس صحيح، نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تربط الطرفين ببعضهما البعض.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المبعوث الأمريكي قام بتسليم رسالته إلى لبنان بشأن نزع سلاح حزب الله بالتزامن مع الحرب على إيران، مما يشير إلى استغلال هذه اللحظة وهذا المتغير الإقليمي المتعلق بإيران. - ثانيًا: الزمن في صالح الحزب:
ربما تعتبر إسرائيل صمت حزب الله وعدم رده على الضربات الجوية والاغتيالات المتكررة التي تستهدف قياداته، دليلًا على ضعفه نتيجة الضربات التي تلقاها خلال معركة إسناد غزة. إلا أن هذا الصمت لا يعكس بالضرورة ضعفًا دائمًا أو تراجعًا، بل يمكن اعتباره تكتيكًا من الحزب لتجنب الدخول في حرب جديدة قبل أن يتمكن من استعادة أنفاسه وإعادة بناء هياكله الأمنية والتنظيمية.
لذلك، تسعى إسرائيل إلى استغلال هذه الفرصة لإكمال مهمة القضاء على حزب الله كقوة مسلحة، وذلك من خلال الضغط على الدولة اللبنانية وتهديدها في حال عدم نزع سلاح الحزب بالكامل قبل نهاية العام الجاري، حتى لا تتاح له الفرصة لاستعادة قوته وترميم هياكله التنظيمية. - ثالثًا: إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط:
إن طموح الولايات المتحدة وإسرائيل في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقًا للمصالح الصهيونية، ليس بالأمر السهل في ظل وجود تحديات تعيق ذلك، مثل قوة إيران، وحزب الله، وحركة حماس، وحلفائهم في اليمن والعراق.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس ترامب، لمناقشة سبل استكمال هذه المهمة والتخلص من التحديات، بهدف تسهيل هيمنة إسرائيل على المنطقة وفتح أبواب التطبيع مع الدول العربية بدعم أمريكي.
خيارات حزب الله
تبدو خيارات حزب الله محدودة في هذه المرحلة، وتتراوح بين:
- الخيار الأول: الاستجابة لموقف الحكومة اللبنانية وردها على رسالة المبعوث الأمريكي، وذلك بتسليم كامل سلاحه بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، شريطة انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة أو النقاط الخمس التي تمركزت فيها بعد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، والشروع في عملية إعادة إعمار المناطق التي دمرتها إسرائيل.
- الخيار الثاني: التساوق ظاهريًا مع توجهات الدولة اللبنانية، والمماطلة وكسب الوقت، استنادًا إلى طبيعة إسرائيل وسياساتها القائمة على التسويف في تنفيذ أي اتفاق، وأطماعها التوسعية، وانتهاكاتها المستمرة لسيادة الدولة اللبنانية، ومن ثم الاستفادة من التناقضات والأحداث الداخلية والخارجية المتسارعة.
محددّدات موقف الحزب
من المعلوم أن حزب الله حركة سياسية عقائدية تستند إلى سردية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، ودعم الشعب الفلسطيني.
ليس من السهل على هذا النوع من الأحزاب التخلي عن سرديته وسلاحه، لأنه يرى في ذلك نهاية لمبررات وجوده، مما يؤثر على وزنه السياسي في الدولة اللبنانية ومكانته في الطائفة الشيعية.
وإذا كانت للواقعية السياسية اعتباراتها وإكراهاتها، فإن حزب الله قد يعتمد في مقاربته لقضية نزع السلاح على عدة أمور، من بينها:
- إستراتيجية إيران المتعلقة بحلفائها وأصدقائها في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله الأقرب إلى الحرس الثوري ومرشد الثورة، السيّد علي الخامنئي. بمعنى آخر: هل ستحافظ إيران على تحالفاتها مع الكيانات غير الدولتية كجزء من أمنها القومي؟ أم هل ستتخذ مسارًا آخر بعد أن خسرت سوريا، وجزءًا كبيرًا من قوة حزب الله في لبنان؟
- مدى جدية التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، وجدية الدولة اللبنانية في تنفيذ متطلبات نزع السلاح، وحجم المناورة المتاحة للحزب.
- قوة حزب الله العسكرية والتنظيمية بعد الضربات التي تلقاها؛ فحزب الله القوي المتمكن تنظيميًا وطائفيًا وسياسيًا يختلف عن حزب الله الضعيف الذي لا يقوى على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
إسرائيل لاعب أساسي، وسيكون لطبيعة سلوكها وتصرفاتها تأثير كبير على المشهد. والسؤال المطروح هنا هو: هل ستكتفي إسرائيل بدور الدولة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله، وتثق في قدرتها على القيام بذلك؟
وهو الدور الذي رحب به المبعوث الأمريكي توماس بارّاك في زيارته الأخيرة لبيروت؟ وهل هذا الأمر مقيد بمهلة زمنية تنتهي بنهاية العام الجاري كما طالبت رسالة المبعوث الأمريكي؟
لا ترغب الدولة اللبنانية في إثارة نزاع داخلي مع حزب الله، لما لذلك من تداعيات وخيمة على استقرار لبنان، وإنما ستلجأ إلى الحوار السياسي كما هو جار الآن بين الحزب والرئاسة اللبنانية بقيادة الرئيس عون.
من غير المرجح أن يقدم حزب الله على تسليم سلاحه، ومن الصعب أن تعالج الدولة اللبنانية هذا الموضوع بغير الحوار والتوافقات الداخلية، وهذا يعني أن الأمر سيبقى رهنًا بالوقت، ورهنًا بالتطورات الإقليمية المتسارعة، لاسيما مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية وطاولة المفاوضات بينهما، وافتراضية التصعيد الإسرائيلي ضد طهران، حيث نقلت وكالة رويترز عن نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن أنه "يرى فرصة لتوجيه ضربة أشد لإيران".